تربية إيجابية

عندما تحولت لأم “خنيقة”

ركلات خفيفة مثل حركة الفراشة.. هذا كان احساسي في وقت مبكر من حملي.

كلما كبر ابني بداخلي كلما شعرت انه يركل بشدة وقوة.. شعرت أن هذا الصبي سيولد ويصير مثل والدته، كثير الحركة مُحب للعب 🙂
عندما قلت لطبيبتي على شدة حركته، قالت لي “شكله حيطلع شقي!” قلت لها “شقي اه بس مش مزعج.”
كنت تلك الأم المُحبة التي لا تلوم طفلها ابداً على تعبها، وكلما قال لي احد “معلش هو متعب”  او “ارحم امك وسيبها تنام.” كنت أُسرع في الرد واقول هي مرحلة خلقها الله كذلك وليس ذنب طفل صغير غير قادر على شيء أن يُلام. نحن من اخترنا ان ننجب، فيجب أن نتحمل المسؤولية ونتقبل كل مرحلة بحلوها ومُرها.
السنة الأولى كانت سنة مثالية، كنت أشعر فيها أنني أم جميلة تراعي مشاعر ابنها في كل شيء وتسعى قولا وفعلا في اعطائه العاطفة وتسليته ومساعدته على النمو اللغوي والحركي والعقلي وطبعا العاطفي.
ولكن سرعان ما تغيرت عندما قارب ابني على بلوغ عامه الأول.. وبدأت أن أفقد السيطرة. حبي لحركته تحول لتعب وعدم تقبل. لم استطع مجارة كل هذة التطورات التي فاقت قدراتي وقرائاتي.. أين ذهب هذا الرضيع البسيط الهاديء الذي لا يرغب في الكثير ولا يضرب او يرمي او يصرخ!
بدأنا أن ندخل في مرحلة “الطفل الدارج”* بكل ما فيها من تحديات.. وبدأت مع هذا العمر أن أصير شخصا أخر لا يرضيني ولا يرضي إبني.
بدأت أن أصير “خنيقة” ..
هو يضرب ويرمي ويصرخ بأعلى صوت!
 يا الله ماذا أفعل، كل الحيل لا تنجح، كل النصائح الخيالية التي اقرأها علي الإنترنت تبوء بالفشل!
قررت أن آخذ كورسات اونلاين في التربية.. ولكني لم أجد الوقت لأتابعها.
سافرت خارج مصر مع أختي، وكانت رحلة الطائرة سيئة جدا، لم يتوقف ابني عن الصراخ. لا انه لا يبكي! فقط يصرخ بأعلى صوت. ولا ينفك ذلك العجوز الفرنسي الجالس خلفنا على اسكاتنا ب شششششش.
ولم يتوقف الحال على هذا، فكلما ذهبنا لأي محل لشراء شيء صرخ ابني واحرجنا في وسط الاجانب . غالبا لم يكن هناك اطفال كثيرين في البلد 😀
شككت في نفسي وبدأت أن أشعر بالفشل. أنا لا أستطيع التحمل، لا أستطيع أن أحمل على عاتقي كل هذا! فصحة أمي تجعلها غير قادرة على مساعدتي، لا أستطيع أن اترك ابني واذهب إلى أي مكان. ليس لدي “ناني” لأني لا أحب ارتباط ابني بشخص غريب يختلف عني وعن فكري، ولم أكن أوافق ابداً أن ارسل ابني إلى حضانة! بالذات في هذا العمر الصغير فهو لم يكمل عام ونصف!
بدأت أن أعيد التفكير في أشياء كثيرة كنت قد أتخذت فيها قرارات راسخة. هل أستطيع حقا أن أعلم ابني تعليما منزليا؟ هل أنا ا قادرة على أن أحمل كل هذا على عاتقي؟!
شعرت بالفشل والاحباط، وبدأت أن أحزن أكثر على سوء علاقتي بأبني..
اتذكر ذلك اليوم العصيب الذي كان الصيام يقتلني فيه. لم استطع تحمل الضرب والصراخ، والعادة الجديدة التي يفعلها من ضرب نفسه!! بدأت مؤخرا أن اصرخ في وجهه وأوبخه بطريقة أبغضها. بدأت أن أبغض نفسي كثيرا..
هذة الليلة لم ينم ابني جيدا، ورأيته يصحو كل ساعة تقريباً متوترا يريد ان ينزل من السرير ليجري يلعب، كأنني كنت اخطفه من فرحته.
كانت هذة نقطة التحول..
في هذا اليوم قررت وطلبت من الله وألححت في دعائي أن يصلحني صلاحاً للأفضل،أن لا أصرخ بتاتاً وأن أحاول أن أحتوي إبني .
واكتشفت التالي:
١- الموضوع لا يحتاج لمحاضرات وكورسات كثيرة.. واقعيا الكثير من تلك الكورسات يسرق وقت اطفالنا ويتركنا شاردين، نتسابق لكي نتابع ونوااكب المئات من الكورسات على حساب علاقتنا بهم.
٢- عليَ أن أغلق جميع التطبيقات المتواجدة على الموبايل لكي لا يوجد شيء يجعلني شاردة عنه.. فوقت صحيانه سيكرس له فقط.
٣- سأتقبل متاعب الفترة الأنتقالية من ضرب ورمي وغيره، سأوجهه للصواب، واعطيه البديل. مثل لا ترمي يا حبيبي، اذا لم ترد هذة فأعطها لي في يدي. من فضلك لا تضرب ماما، ما رأيك أن نلعب بهذا الشيء (إلهاء)
٤- سبب الضرب (منه) غالبيته غضب، او زهق، ولذلك علي أن لا أتركه يمل
 ٥- الخروووج! سأستغل وقتنا ولو كان يومياً لكي نخرج في أماكن مفتوحة، حتى لو كانت تمشية حول البيت! وبالفعل بدأت الالتزام أثناء صيامي المُرهق في نهار رمضان.
٦- أشاركه معي في شغل البيت والمطبخ وأحاول أن لا يأخذ ذلك حيز كبير من وقتنا.  وأعطيه الفرصة لعمل هذه المهام بيده وأشجعه ولا أصحح له كثيراً.
٧- الصراخ الشديد كان علامة على رغبته في الكلام. وعندما بدأ يقول بعض الكلمات قل الصراخ بنسبة كبيرة جداً. فالصبر وخلق أشياء لترفيهه والخروج سيقللان من الأمر حتى يستطيع الكلام.
٨- الحب، التقبل، الأحتواء، النظر في العين، الحضن، والترابط.
٩- تقبلته كما هو، بكل ما فيه، أحببت كل طباعه وصفاته، وذلك جعل الطباع السلبية تقل، وأن تشع الطباع لإيجابية. تقبلت صفات إبني التي ستستمر معه حتى مماته، فما فائدة النظرة المُحبطة له “في الرايحة وفي الجاية” ، تقبلت أنه كثير الحركة ويمل سريعا، ولم أضيع وقتي في الكلام عنه مع من حولي.
١٠- التشجيع من أهم ما يمكن. فما فائدة النظرة المُحبطة، والكلام الجارح او الساخر. هل سيتحول ابنك إلى طفل شجاع لو قلتي له بإستمرار “يا جبان ولا خليك زي فلان الاشجع منك؟!” واقعيا سيصير أقل شجاعة بهذة الطاقة السلبية. غيري طريقة الحديث من التركيز عالسلبي للإيجابي مثل “أنا أحببت فيك شجاعتك اليوم (عن شيء مهما كان بسيط) واريد منك المرة القادمة أن تحاول في هذا الشيء فأنت قادر على فعله.” ملحوظة: التشجيع الحقيقي وليس الرشوة/
١١- ضعي نفسك مكانه، تخيلي أن شخص يصرخ في وجهك ويضربك وينظر إليك بإستمرار أنكِ مصدر “وجع دماغ ومصايب” وأنه سأم من تصرفاتك وأنكِ لا تفلحين في شيء.. وووو.. ماذا ستفعلين حينها؟ أظن أن أفضل دكتور نفساني سيعجز عن علاجك إن لم يتغير هذا الشخص في معاملتك أولاً!!
١٢- فكري بصدق من سوء تعاملك، قبل إلقاء اللوم على طفلك. لا تتهربي من مشاكله بأن تلقي اللوم عليه كأن هذة العيوب خُلق بها! يولد الطفل على فطرته الجميلة، فنأتي نحن نشوهها بعدم فهمه والفشل في التعامل معه الصحيح. إجلسي مع نفسك واكتبي خطوات عملية تتخذيها لكي تصلحي من علاقتك بطفلك، وأعلمي أن أي شيء سلبي ترينه فيه، فمصدره أنتِ. حتى وإن كانت تأثراً من شخص أخر، فأنت لم تهتمي أن تقوّميها. أنا شخصياً لم أكذب على نفسي وأقول هذة العادة السلبية ظهرت فجأة بعد بلوغه العام! ولكن طبيعة المرحلة من تحديات، وعدم معرفتي لإحتواءها هو ما جعل هذه الصفات تزيد وتكبر. بمعنى أصح أنا السبب فيها.
١٣- وأعلموا أن أولادكم أمانة من الله سبحانه، فتكسير عظام هذة لأمانة أراها أقرب ما يكون للكبيرة!! الدين الحقيقي لا يتحقق بالصلاة في المسجد وتعذيب وتحقير أطفالنا. الله هو الرقيب. فخافوا الله في أولادكم.
بعد تجديد نيتي والإستعانة بالله ومتابعة الحلول السابقة…
أسطيع أن أقول أنه بفضل الله تحسنت علاقتي بإبني كثيراً. لست أم مثالية وأحيانا أخطيء ولكن سرعان ما أعتذر له وأحضنه وأقبله واترك ما يشغلني عنه وأصفي ذهني، وأعطيه تركيزي.
أحيانا يجب أن لا نتردد في أختيار الفرض العين عن الفرض الكفاية.. وأن نترك أي الهائات في سبيل إصلاح علاقتنا ب أطفالنا
شاركوني تجاربكم مع تحديات عمر أطفالكم وكيف أستطعتم إجتيازها  بإجتهادكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى